كتب أحمد عبدالحليم أن قضية الهوية والشرعية شكّلت دومًا عنصرًا محوريًا في بقاء أو سقوط الأنظمة الاستبدادية بالشرق الأوسط، ومصر ليست استثناءً. وأوضح أن رئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي، الذي يحكم عبر مزيج من القمع الوحشي واستدعاء أمجاد الماضي والمستقبل، يستخدم هوية مصر المتعددة كأداة لتثبيت سلطته، لكن هذه المقاربة تكشف في العمق ضعفًا يهدد النظام في القاهرة.

أشار موقع داون إلى أن النقاش حول الهوية المصرية برز بقوة بعد ثورة يناير 2011 حين فتح المجال العام أمام تساؤلات غير مسبوقة: هل مصر إسلامية، فرعونية، ناصرية عربية، أم ليبرالية ذات جذور محمد علي؟ غير أن السيسي لم يسعَ لبناء هوية شاملة للنظام الذي يقوده، بل لجأ إلى انتقاء نسخ مختلفة من هذه الهويات بحسب الحاجة، في الوقت الذي قمع فيه أي جدل مجتمعي حولها.

استغل السيسي البعد الديني عبر الأزهر والطرق الصوفية وشخصيات مثل الشيخ علي جمعة ليطرح نسخة "معتدلة" من الإسلام تتناسب مع رؤيته، بينما حارب الإسلام السياسي وأقصى جماعة الإخوان. وفي الوقت ذاته، غذّى البعد القومي العربي، فظهر مقارنًا بجمال عبد الناصر وحضر مناسبات ناصرية ليؤكد أنه قائد للأمة العربية لا لمصر فقط.

كما وظّف التاريخ الفرعوني لتعزيز شرعيته، خاصة في "موكب المومياوات الملكية" عام 2021 الذي ظهر فيه كأنه وريث الفراعنة، مستعرضًا نفسه كزعيم خالد يمزج بين الماضي والحاضر. ورغم هذه الاستدعاءات، لم يتبنَّ النظام أي هوية محددة للدولة، بل استعمل كل رواية بشكل انتقائي لتخدم هدف تعزيز شرعيته.

ركز السيسي أكثر على المشروعات التنموية بوصفها محور "الجمهورية الجديدة". وعد المصريين بنهضة اقتصادية وعمرانية من خلال مدن جديدة كالـعاصمة الإدارية والعلمين، واستثمارات وفرص عمل. لكن بمرور الوقت، خصوصًا بعد 2019، توقفت خطاباته عن الدعوة إلى الصبر على المعاناة الاقتصادية، وبدأ يركز على خطاب المؤامرات وإنقاذ مصر من أعداء خارجيين وداخليين.


شهدت مصر خلال الأعوام الأخيرة تضخمًا متصاعدًا وانهيارًا في قيمة العملة حتى لامس الدولار 50 جنيهًا، ما ضاعف أسعار السلع وأثقل كاهل المواطنين. وارتفعت نسبة الفقر من 29% عام 2020 إلى 32% عام 2022 وفق البنك الدولي. كما راكمت الدولة ديونًا خارجية هائلة، وابتلعت فوائدها 79% من إيرادات الموازنة. أصبح المصريون أكثر فقرًا وبؤسًا، واضطر كثيرون للبحث عن مصادر دخل بديلة عبر تطبيقات ومنصات رقمية.

أرجع المقال التدهور الاقتصادي إلى المشروعات الضخمة التي لم تعُد بالنفع على المواطنين بل غذّت صورة زائفة للنظام. وأكد أن هيئات سيادية مرتبطة بالجيش سيطرت على هذه المشروعات، وانتشر الفساد في ظل غياب الشفافية والمحاسبة أمام البرلمان. كما تولى حلفاء النظام غير المؤهلين إدارة قطاعات حيوية، ما أدى إلى هدر مليارات الدولارات في مشروعات مغلقة أو متعثرة.

أوضح الكاتب أن هذا النمط من الاستبداد غالبًا ما يفشل في تحقيق تنمية حقيقية، وهو ما يتكرر اليوم. فلم تُثمر الهوية الانتقائية ولا المشروعات العملاقة عن تحسن ملموس في حياة المصريين في مجالات الاستهلاك والتعليم والصحة والنقل، بل رسخت فقط خطاب التفرد وقمع المعارضين.

ساهم هذا القمع المباشر وغير المباشر في خلق حالة من الخوف والغضب واليأس دفعت كثيرين إلى الهجرة، فيما تتآكل شرعية النظام مع استمرار الأزمات الاقتصادية والاجتماعية.

خلص المقال إلى أن استراتيجية السيسي القائمة على استدعاء الهويات المتعددة والمشروعات العملاقة فشلت في ترسيخ شرعية حقيقية. وبدلًا من تحقيق نهضة، أنتجت قمعًا واسعًا وفسادًا متجذرًا وأزمة معيشية متفاقمة، ما يجعل استقرار النظام على المدى البعيد أكثر هشاشة من أي وقت مضى.

https://dawnmena.org/sisis-egypt-leans-on-pharaohs-and-megaprojects-but-legitimacy-slips-away/